الأحد، 20 أبريل 2014

طيور النورس

يوماً ما سننظر إلى تلك الحقبة التي نعيشها الآن وستنتابنا مشاعراً مختلطة كلاً منها يناقد الآخر، مشاعر عابثة تجعل من الشخص متهافتاً، فهذا يقول أن هذه الحقبة كان لابد منها من أجل مصلحة الدولة العليا، وذاك يخبرنا بأنها كانت نكسة، وهؤلاء الشباب الذي نادوا بها يجب أن يُحاكموا بالخيانة الكبرى. دعنا نتفق على ألا نتفق ونوسع بعضنا بعضاً الاتهامات، ونضفي على الحوار بعداً دراماتيكيَّاً يجعل من أقل الكلمات وقوداً يحرك مكينات الغضب داخلنا، ويقلبُ الحوار تراشقاً بالسبابِ باللكمات والكراسي والطاولات، ثم يصيح أحد الواقفين المشاهدين لهذه الفوضى العارمة قائلاً بأنًّه يتفهم سبب غضبكم وسبب امتعاضكم الشديد منّه ومن طريقته الغير مبالية بكم أو بأفكاركم، لأنَّه حقيقةً قد سأم منكم أجمعين! سأم من تدافعكم وتقاتلكم وتكالبكم على السلطات وعن أنانيكم الشديدة الغير عابئة بأحوال هؤلاء الذي مكنوكم يوماً ما مما أنتم فيه هم تارة الملاعين الخونة وتارة أخرى الكفرة البلطجية عنوان فلايراتكم ودعايتكم وبانراتكم وعناوين صحفكم الصفراء التي يقرأها من يصعب عليه فهم الواقع ولا يريد تصديقه لمراراته ليلجأ إلى الحشيش وقراءة صحفكم اللطيفة قائلاً وهو يطلق ضحكة هازئة: ’’يقولون كُل شيءٍ على ما يُرام!‘‘.


تبدو البطاريق كائنات مُحببة تُشعرك بالسعادة كلما نظرت إليّها على National Geographic أو على التلفاز تبدو وكأنها تحمل كل صفات البراءة والنبل لكنّها حقيقةً تتحول في لحظاتٍ إلى كائنات يُمكنها أن تضحي بك بدلاً عنها تدفعك في المياه كي تختبر وجود الحيتان والقروش على قدر اللطف والبراءة التي تبدو عليه يوجد جانبٌ آخر يدعى البقاء ستُحارب من أجله البطاريق، ويجب أن تتعلم أن هناك فصائل مثل البطاريق في الساحة، تشع أوجهم نوراً وديناً وشريعةً وتغني بالأخلاق، وحينما تبدأ المعركة يدفعونك أمام عربات الأمن المركزي يدفعونك أمام الرصاص ثم بعد أن تُنهي لهم المهمة وتصبح جثة هامدة يجلسون هم على مقاعد المفاوضات.

كُتب على بعض الناس أن يكونوا دائماً أدوات يُنظف بها الأخرون مسارح جرائمهم، فئة من الشباب تتظاهر وتوسع الشوارع حشوداً غاضبة ويكونون أول من تطالهم يد هؤلاء الآخرين وتتربح بهم الفئات الأخرى، وظيفتهم أن يكونوا أدواتٍ رخيصة في أيدي هؤلاء أصحاب الرغبات في الشهرة وفي المتاجرة بأي شيء والمناداة بشعارات لا تمثل الثورات بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وينتهي بهم الحال بأنهم ينظفون الساحة لآخرين كي يستطيعوا هم الجلوس علي طاولات المفاوضات، تماماً كطيور النورس.. تلك الطيور التي تنظف الشواطئ من البقايا والفضلات.

حكى لي صديقٌ لي بأن له صديق في الجامعة أصبح لا يفارق سيجارة الحشيش من بعد عودته من محمد محمود، فقد القدرة على مجاراة الواقع وأصبح يستعين بتلك السجائر فقط ليستطيع الكلام، هؤلاء من نظَّفوا وراء البطاريق، هؤلاء هم النوارس الذي لم يسعوا لشيء سوى تنظيف آثار الظلم والمنظومات الفاسدة وتركتم البطاريق الجبانة في شوارع محمد محمود يصارعون الموت، ليجلسوا هم على طاولات المفاوضات! 

وها هي البطاريق تُنشد للنوارس من جديد، ينشدوهم كما ينشدون الأطفال كي يُمَّكنوننهم مرةً أخرى:

’’يَا طُيُورَ النَوْرَسِ طِيرِي…
طِيرِي فِي الأفُقِ البَعِيدْ.

كَشِرَاعٍ أبْيَضِ اللَوْنِ...
مَعْ الفَجْرِ الوَلِيدْ.

شَاطِئٌ حُلْوٌ وأَزْرَقْ...
مَوْجُهُ عَالٍ عَنِيدْ.

يَمْنَعُ الأعْدَاءَ عَنًّا...
لا يُبَالِي بالوَعِيدْ.

هيًّا يَا نَوَارِسَنَا...
هيًّا حَلِّقِي مِنْ جَدِيدْ.‘‘

- من إحدى أغاني الإنمي.


أراكم المرة القادمة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق